الأحد، 22 ديسمبر 2013

نافذة على مشروعية تجديد الفكر الديني

الشيخ حيدر حب الله
انقساماتٌ عِدة واجهت الأمة الإسلامية والعربية منذُ بداية القرن الماضي، من الهم الثقافي مروراً بالثوري إلى الإسلام السياسي وإلى وقتنا الحاضر حيثما يسمى بـ «الربيع العربي » وهو الحاضر في أذهان الجميع. ولكننا اليوم في ظرف يطلق عليه من قِبل علماء الاجتماع أنه الظرف الثوري، حيث أن كل القيم والمفاهيم متحركة ولا شيء فيها ساكن، ومن هنا فإن هذا الوقت الذي يجب على المصلحين حمل هم التجديد في المفاهيم الدينية التي تناسب متطلبات هذا العصر وهذا الظرف خصوصاً، والتي تؤدي - بالضرورة - إلى تقدم المجتمعات ولكي لا يكون فهم الدين للناس قيداً في عنقهم بل ليكون رحمة لهم. ومن هذا المنطلق بين يديكم نافذة لفكرة «مشروعية التجديد الديني» ذُكِرَت في دراسة بعنوان « مشروعية تجديد الفكر الديني - هواجس ومسوغات » للشيخ حيدر حب الله، أتمنى أن تضيف للأحبة والمصلحين عِدة أفكار هي من وجهة نظري مهمة في وقتنا الحاضر.
تجديد المفاهيم الدينية هو أحد السبل لتقدم المجتمعات. منظومة متكاملة من الهموم يحملها المصلحون في هذه الأرض، وأحد هذه الهموم هو هم التجديد. التجديد برأي حب الله هو «محاولة جادّة لإضفاء عناصر لم تكن موجودة من قبل على كيان كان وما يزال له وجود، وبهذه الطريقة يكون هذا الكيان قد جدّد، سواء حصل التجديد في حذف بعض عناصر الكيان السابق أم في إضافة عناصر أخرى جديدة، أم في إعادة ترتيب العناصر نفسها، وسواء كان ذلك في الشكل أم المضمون أم في المنهج الذي يحكم مجمل العناصر أو الوصول إليها ». إذاً فإن عملية التجديد هي إعادة إنتاج للمفاهيم، وهي تتضمن إما الإضافة أو الحذف أو التعديل في كيان سابق لكي تصبح هذه المفاهيم مناسبة للواقع المعاش ومتطلبات العصر. ولكن هل للتجديد الديني مقومات أو ضوابط تتحكم فيه؟
يعقب حب الله أن التجديد يستند على أن «افتراض وجود نقص أو خلل ما في القديم »، وانطلاقاَ من هذا الخلل أو النقص يولد التجديد لسد هذه الفجوة بمفاهيم جديدة للدين وليس الدين عينه. ومن جهة أخرى يركز حب الله على موضوع عدم القداسية في التجديد، حيث أن « كون الشيء جديداً، لا يعني صوابه أو تعاليه عن النقد، فالحديث عن التجديد يستدعي التجديد دائماً » وبالتالي فنحن نجدد التفسيرات والشروحات السابقة للدين إذ أن « التجديد مشروع يركّز على فهمنا الديني وقراءتنا له وليس على الدين نفسه » وهنا يكمن خوف البعض الذي فسر التجديد على أنه ابتداع واغتراب حتى وصف بعض المصلحين بالتغريبيين. ومن جهة أخرى استعرض حب الله أشكال التجديد في الفكر الديني وهي كالتالي:
1 - تغيير في المنهج المعرفي الذي يحكم فهم الدين.
2 - حذف جزئي لبعض عناصر النظام القديم.
3 - إضافة عناصر جديدة.
4 - إعادة هيكلة العناصر السابقة نفسها.
وفي النهاية فإن التجديد حاجة للتقدم وليس بدعة للتخلف. ما استعرضناه آنِفاَ هو مقدمة حول مشروعية التجديد في الفكر الديني، حيث انها عملية إعادة إنتاج للمفاهيم الدينية لتتناسب مع متطلبات العصر والظرف الراهن، إذ أن العادات والتقاليد لا تنفع في كل زمن من الأزمان، وبالتالي فليحمل كلٌ منا هذا الهم في سبيل إصلاح المجتمع وتقدمه.

الاثنين، 18 مارس 2013

الحراك الشيعي في السعودية


استعراض لكتاب  (الحراك الشيعي في السعودية)




قبل عدة أيام انتهيت من كتاب "الحراك الشيعي في السعودية" الذي يتحدث عن كيفية تسيس المذهب ومذهبة السياسة لدى الشيعة في السعودية, ومع مراقبتي لشبكات التواصل الإجتماعي ومناقشة بعض الأصدقاء ممن قرؤا الكتاب إلا أن النقاش -وللأسف- أقتصر على الشهادات الموجودة في الكتاب والمعلومات التي بداخله وعن صدقها وعدمه ولم يتم مناقشة النظرية المطروحه "تسيس الإثنية, وأثننة السياسة" التي قدمها الباحث في علم الاجتماع السياسي كارستن فيلاند.



يعتمد الكتاب على النظرية التي ناقشها الباحث كارستن فيلاند في كتابه – الدولة القومية خلافا لإرادتها ــ وقد تم إسقاط هذه النظرية على الحالة الشيعية في السعودية. حيث أن إنفجار الحركات الدينية الشيعية وتحولها إلى كتل سياسية كان متزامناً مع أنتصار الثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات ومن ثم تكونت هذه التنظيمات السياسية بتسيس للمذهب ورفع المظلومية - مظلومية أهل البيت عليهم السلام- شعاراً لها و تعبئة الناس من خلاله.

يعلل الكتاب السبب الرئيسي لعدم وجود هوية وطنية جامعة لأطياف المجتمع هو تسيس الدولة بالمذهب الوهابي. إذ منذ تأسيس الدولة السعودية تم تبني المذهب الوهابي بعتباره الهوية الرسمية للدولة, ومن سوء الحظ أن هذا المذهب -حسب ما ذُكر تاريخياً- يعتمد على إحتكار الحق وإقصاء الاخر المخالف له ويتبنى تقسيم الناس إلى معسكرين مسلمين متمثلين بالمذهب الوهابي ومشركين متمثلين بالمخالفين لهم. وهذا ما أدى إلى غياب الهوية الوطنية للدولة وإسهامه بشكل مباشر في تقوية الهويات الفرعية والإعلاء من شأنها وجعلها تتصدر المجتمع.

وفي هذا الصدد يستشهد الكتاب بمفهوم إدولوجيا الدولة - الهوية الوجدانية للدولة- التي يشير لها العروي في كتابه (مفهوم الدولة) أنها مكونة من مكونين رئيسين وهما "التاريخ المشترك و المصلحة المشتركة". فمع تبني الهوية الوهابية التي تميزت بأنها طاردة ومنفرة للمجتمع فإن المكون الأول سقط. والمصلحة المشتركة سقطت بعدم استيعاب أطياف المجتمع في مؤسسة الدولة وهي ما عبر عنها الكتاب بـ"غياب آليات الدولة الحديثة".

وفي وصف الحالة الشيعية التي وصفها الكتاب بالطائفية الناعمة وهي أن تعرف هويتك بطائفتك. يمكن إطلاق مصطلح "الطائفية الناعمة" على عمل هذه التنظيمات التي طغت على الساحة الشيعية السعودية إذ أنها مهما عملت فهي تُصنف نفسها بهوية طائفية وليس بهوية وطنية. فالإنتفاضة التي حصلت في عام 1979 كانت تتمحور حول مظلومية الشيعة ومع بروز المعارضة في الخارج كان النهج يتمحور حول الشيعة ومظلوميتهم. أيضاً مع التحول الذي أصاب المعارضة وجعلها تنحوا نحو الحقوق والطرح الليبرالي فإنها ما زالت تدرج نفسها في دائرة الطائفة. ويستدل الكتاب بالمصالحة التي حصلت بين المعارضة والدولة حيث كانت المطالب خاصة للشيعة فقط ولم يكن شيء يخص الوطن جميعاً. كذلك عندما تم رفع البيانات الإصلاحية فإنها رفعت على أنها من منطلق شيعي لا من منطلق وطني. كل هذا النضال محورهُ الأساسي الطائفة وهو ما أطلق عليه الكتاب الطائفية الناعمة.

في نهاية الكتاب يقدم الكاتبين رؤية حول أزمة الطائفية إذ أن الدولة مطالبة بإنهاء مذهبة السياسة حتى تتم معالجة جادة وجدرية لأزمة الطائفية التي عنينا منها طول هذه السنين ,وأيضاً تم تقديم رؤية حول تكوين هوية وطنية تتمثل في الجيل الجديد من الشباب المنفتح الذي لم يتأثر برواسب الماضي حيث التأكيد على الحالة المدنية بالتلاقي وتكوين حاله مدنية جديدة تُبنى على القبول بالآخر كما هو لا كما يتخيله بعضهم أو يشترطه آخرون.


الأربعاء، 13 مارس 2013

إلى الصديق العزيز .. هل فهمت المؤامرة ؟



نظرية المؤامرة التي لطالما يتغنى بها الكثير هي أحد شماعات التبرير التي تعود الناس سماعها. كيف لا وهذه النظرية تحكم عقول الكثير من الناس لدرجة تصورهم أن ما يجري على الساحة نتيجة من نتائج المؤامرة وكل شيء يحصل لنا هو ناتج عن تحريك خيوط من قبل "الشيطان الأكبر" امريكا .
على سبيل المثال، إتهام المسلمين للغرب بنظرية المؤامرة المتمثلة في الماسونية وبذلك بررو فشلهم وتقاعسهم! كذلك أيضاً إتهام الإسلامويين الى الليبراليين بالتغريب والتأمر على المجتمع المتجه نوعا ما –كما نرى- نحو "الليبرالية".

و بهذا العنوان كتب أحد الاصدقاء سلسلة مقالات يتهم فيها أحد التيارات بأنها تحوك مؤامرة ضد "التشيع الأصيل" وأن هذا التيار يحاول التحريف و ضرب معتقدات الشيعة وأيضاً أن هذا التيار يتصنع إنتهاجه إلى المنهج "الشيرازي" الذي كان معروفاً بإسم المجدد. بالإضافة الى أنهُ في أحد تعاليقه قسم الصراع الى معسكرين، معسكر حق المتمثل في منهجه ومعسكر للباطل المتمثل في مخالفيه.

الجميع يستطيع أن يحكم لكن القليل يفهم. ما سقط فيه الصديق العزيز هو إصدار أحكام من دون السعى الى فهم ماهية هذا التيار أو حتى تفسير ما هي الأسباب التي جعلته يتكون بهذا الشكل. أيضاً ، تكمن الإشكالية بأنه حين أصدر الأحكام على الطرف الأخر - والحديث هنا عن التيار- فإنه أسقط عليه نمط معين وحدود معينه لم يسعى إلى تغييرها او ايجاد حل وذلك بسبب عدم إدراكها وفهم ماهية هذا التيار.

ماذا لو فهم الصديق أدبيات هذا التيار؟
أظن - والله أعلم- أنه لو فهم ماهية هذا التيار لحاول الإستفادة منه –وهذا ما يحدث عادةً- ولكن -وللأسف-إحتكار الحق أصبح واضح عند صديقنا العزيز وذلك بتقسيمه المعسكرين الى حق و باطل من البداية وتطبيق كلمة "الي مو على دينك ما يعينك" والأعظم من ذلك أنه أسبغ الصبغة الدينية على الفكرة او المنهج الذي يتبعه فالأفكار التي تنسب أو تمتزج بالدين يسقط عليها قداسة بإسم الدين وإياك إياك أن تشكك فيها, فشكك يعني أنك تشكك في الدين نفسه ومن المحتمل إخراجك من الدائرة,دائرة الدين.

وهنا أدعو نفسي و الأصدقاء لفهم المواقف وتحيللها اولاً وإعمال سلاح العقل والتعقل. فإختلاف الرؤى لا يمكن أن يتعامل معه بهذا الشكل وبهذه الأحكام التي تعتمد على إحتكار الحقيقة و الحق و إقصى الآخرين - القريب و البعيد-.