الأربعاء، 2 مايو 2012

الصلاة أو النار..!!

لافتة بالقرب من كلية البنات -الدمام-



كما هو معروف أن الصلاة عمود الدين ولكن من وجهة نظري لا أرى أن هذه الطريقة هي المثلى للحث أو الدعاء إلى الصلاة.. هنا مقال للشاعر ياسر آل غريب وأظنه يتكلم عن دات اللوحة التي رأيتها في الدمام ...





الصلاة أو النار

رأيتُ بأمِّ دهشتي لافتة صغيرة معلقة على عمود إشارة المرور مكتوبا عليها: الصلاة أو النار. أخذتُ أتأمل هذه الجملة ومن فرط التفكير فيها صار ذهني عشًا للأفكار حتى فقستْ فيه هذه المقالة.
إنَّ الذين كتبوا ونشروا هذه اللافتة في الطرقات هدفهم - بلا شك - الحث على الصلاة ولكنهم افتقدوا للأسف أسلوب الدعوة الأمثل الذي يحمل رسالة التبليغ بخطاب تبشيري هادئ، أي أنهم اختصروا دعوتهم بتركيزهم المكثف على عقوبة تارك الصلاة متناسين أن الطمأنينة هي المعادل الموضوعي للصلاة (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وأغفلوا ثيمة الفلاح التي نسمعها رقراقة في الأذان، ونقرأها في القرآن الكريم: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون).
(الصلاة أو النار) عبارة موجزة ولكنها تخفي وراءها شبكة من التعقيدات والتشنجات فهي تربي الناشئة على ثقافة الفزع والاضطراب بدل حب الصلاة والسكينة وخشية الله، كذلك تفتقر إلى الواقعية فهذا الزمان الذي نعيش فيه يتطلب منا خطابا تنويريا يتناسب مع نفسيات الشباب والظروف المحيطة بهم فمن المهم جدا أن نعرف كيفية الولوج إلى أعماقهم لتتم أنسنة القيم والمبادئ بنجاح، أما أن نصفعهم بهذا السؤال الاستفزازي ونرغمهم على الاختيار فهذه الطريقة عقيمة لأنها صادرة عن فكر تعسفي لا أصل له في الثقافة الدعوية، سنجد شخصا يقول: الصلاة.. ليس حبا لها ولكن خوفا من هذا التهديد المفاجئ، وشخصا آخر سيقول بكل وقاحة: النار، ولن يبالي لأنه استفز داخليا وأفرغ ما لديه بشكل سلبي، وسنرى آخر سيتابع طريقه في متاهة الضياع دون أن يجيب. إن تجاور الصلاة والنار في هذه الجملة هو خلل في لغة الخطاب الموجه لوجود التنافر الثقافي بين الكلمتين، فكلمة الصلاة هنا لم تأخذ حقها في النمو الدعوي والصعود المعرفي في أذهان المتلقين فسرعان ما ارتبكت اللغة بذكر الجحيم والعذاب. ياترى هل سيعشق الابن حلَّ واجباته المدرسية إذا قال له أبوه: المذاكرة أو العصا ؟! 


ربما يحتج البعض بآيات الوعيد والتهديد في الثقافة القرآنية بكونها ضربا من ضروب التربية حيث العظة والعبرة، وهذا الكلام صحيح، ولكن هذه الآيات جاءت من باب التفصيل والإيضاح منتظمة في مسارها في المرحلة التي تلت مرحلة الدعوة والتبشير بالصلاة، ومثل هذه الآيات لا تخلو من الإرشاد بالأسلوب الربَّاني مثل عقد المقارنة بين أهل الجنة وأهل النارَ: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ *إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ* فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}. 


هذه هي الصلاة قرَّةُ عين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكما وصفها ذات حديث بمعراج المؤمن، وكما نعتها العرفاء بالمعجون الإلهي، ولأنَّ لها أثرًا يترتبُ في دنيانا وآخرتنا فلا بد للوعاظ والخطباء أن يدعوا إليها بالتي هي أحسن مستفيدين من طرائق الإعلام المؤثرة والدراسات الإنسانية وعليهم أن ينفتحوا على البرمجة العصبية اللغوية التي تهتم بإعادة صياغة الذات وبالتفكير الإيجابي وإشاعة التفاؤل. 


أما أنا فسأمحو من ذاكرتي عبارة (الصلاة أو النار) وسأعلق لافتة على نياط قلبي أكتبُ فيها: (الصلاة طريقنا إلى الجنة).
رابط المقال من جريدة الدار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق